Contents
ورد عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام؛ فإذا ذهب يومك ذهب بعضك.»
وحريٌّ بنا —إذ أن ذهاب الأيام يذهب بنا— أن نستغل الأيام ونتأكد من أننا نقضي كل ساعة في ما قُدِّرت له، لا في ما ناسبها أو قابلها دون تخطيط أو تنظيم.
ومن ينتهز الوقت يسعد في دنياه وأخراه، إذ تعمُّ يومه البركة وتتسم حياته بالإنجاز وحسن استغلال أوقات الفراغ.
من أجل ذلك نقدِّم لك دليلًا بسيطًا في إدارة الوقت، يقف بك على أول الطريق ويشرع بك في سبيل الإنجاز والتحقيق.
مفهوم إدارة الوقت
هو استخدام الوقت استخدامًا فعَّالًا بحيث ينظِّم الشخص مهماته وفقًا لأهميتها وينجزها في الوقت المحدد لها، ومن ثَمَّ يعيش الشخص يومًا منتجًا ذا رؤية ويحقق أهدافه.
فوائد إدارة الوقت
- تحقيق الأهداف في المدة المخصصة لها
- يقل الضغط مع مرور الوقت، بعكس ما يحدث عادة
- تزيد البركة في أوقاتك كلها
- تنظيم الوقت يعطيك المزيد من أوقات الفراغ
- تعظيم الفائدة من الوقت من خلال التركيز على مهمة واحدة
- يزيد تنظيم الوقت من كفاءتك ويرفع من جودة عملك
مبادئ إدارة الوقت
١- امتلك وقتك
من المهم أن تبدأ تنظيمك لوقتك بأن تتيقن من كونك المالك الأوحد لوقتك. ومهما كانت الشواغل والمهام، لا تنسَ أنك من يحددها ويختار أن يقوم بها.
وثمرة هذه النقطة أنك في المرة القادمة التي تقول لنفسك فيها «أريد أن أفعل كذا وكذا، لكن ليس لدي وقت!» ستتذكر بأن هذا الأمر إذا كان مهمًا لك بالفعل فبوسعك أن تختاره على أي شاغل آخر من شواغلك الحالية… لأنك أنت من يملك الوقت وعليه الاختيار.
٢- راقب أين يذهب وقتك
هل حدث أن تعجبت في جلسة مع الأصدقاء من سرعة مرور الوقت؟
لكن ماذا بعد الاستغراب والتعجُّب؟
من أجل ذلك كانت مراقبة الأوقات من أهم الخطوات الأساسية في إدارة الوقت.
ابدأ بتقييد المدة التي تستغرقها في كل مهمة لمدة أسبوعين أو شهر مثلًا. ثم حلِّل هذه المراقبة وانظر هل بحقٍ تستحق كل مهمة ما استهلكت من وقت، أم هناك مساحة للتحسين؟ ودائمًا هناك مساحة للتحسين.
٣- حدد أولوياتك
سنذكر لاحقًا في هذا المقال تفاصيل كيفية اختيار الأهداف وتقييمها، لكن الغرض من هذه الخطوة أن تحدد أولوياتك العامة، أي التي تتمحور حولها حياتك. فإن الأولويات العامة تسهِّل تحديد الأهداف الصغيرة والمتوسطة وتصنع سياقًا تشعر بداخله بمعنى أي مجهود تبذله.
٤- حدِّد أهم مهمة في اليوم
دائمًا ما يتمحور اليوم حول شيء يكون في إنجازه الشعور بالرضا وتحقيق الغاية من اليوم. من أجل ذلك، حدد هذا الشيء في بداية كل يوم واحرص على أن تعطيه أكبر اهتمام وألا ينتهي اليوم دون إنجازه.
٥- ضع لكل مهمة موعد انتهاء لا تتخطاه
وظيفة موعد الانتهاء لا تقتصر على وضع حدود للمهام، بل تساعدك على اختيار أهدافك بواقعية وعلى تحقيق أعلى مستويات الإنتاجية في يومك.
٦- استفد من قانون باركنسون
يكمِّل هذا المبدأ فكرة موعد انتهاء المهمة. لاحظ الباحث البريطاني نورثكوت بَركنسون في مقال كتبه في مجلة ذي إيكونوميست عام ١٩٥٥ أن المهمة تتمدد لتملأ الوقت المحدد لها. فإنك إذا حددت أسبوعًا لمهمة ما ستتمدد المهمة من أجل أن تنتهي منها في أسبوع لا أقل من ذلك.
من أجل ذلك ينبغي أن تقلِّل المدة المحددة لأي مهمة.
ولعلَّك تقول: «لكن ماذا إذا احتاجت المهمة إلى مزيد من الوقت؟» وإجابة ذلك أنك قد تزيد الوقت قليلًا إذا تطلَّب الأمر ذلك، لكن إذا وضعت مواعيد انتهاء بعيدة فلن تعلم ما إذا كنت قد أضعت شيئًا من وقتك أم لا.
٧- فوِّض بعض المهام إلى الآخرين
إذا كان لديك مهام لا تشترط أن يكون أنت من يفعلها، ويمكنك أن تفوِّض أحدًا آخر بأن يقوم بها مقابل مبلغًا معيَّنًا، فسوف يمنحك ذلك مزيدًا من الوقت لإنهاء المهام التي تتطلب كامل تركيزك. أهم شيء في التفويض أن تعلم قيمة وقتك وأهمية المهمة ثم تقارن بينهما؛ إذا كان وقتك أثمن من أن تنفقه على هذه المهمة، فحاول أن تفوِّضها إلى شخص آخر تناسب ظروفه. أما إذا كانت المهمة تلائم قيمة وقتك فقم بها أنت.
٨- وظِّف التكنولوجيا حينما تسنح الفرصة
من مساوئ التكنولوجيا الحديثة أنها أصبحت مجمع المشتتات والملهيات، لكن الشخص الذكي يستخدم التكنولوجيا في موضعها ويستفيد منها أقصى استفادة. وهناك أدوات كثيرة تساعد على تنظيم المهام والمواعيد، فاختر منها ما يناسبك ولا تقارن بينها كثيرًا حتى لا تضيع وقتك.
مهارات إدارة الوقت
١- وضع الأهداف الذكيَّة Smart Goals
تنظيم يومك باحترافية لن يغنيك أبدًا عن تحديد الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. والأمر كما يعلِّمنا الاقتباس الشهير للكاتب لويس كارول: «إذا كنت لا تعلم إلى أين أنت ذاهب فأي طريق سيقودك إلى هناك.»
حدد أهدافك وتأكد من أنها تخضع لأسلوب SMART في وضع الأهداف.
اسأل نفسك:
- هل هدفي محدَّد Specific؟
- هل بوسعي قياسه Measurable؟
- هل بالإمكان تحقيقه Achievable؟
- هل يتوافق هذا الهدف معي ومع ما أسعى لتحقيقه Relevant؟
- هل يمكن تحديده والانتهاء منه في إطار زمني معين Time-bound؟
٢- التخطيط يأتي في المقدمة
قبل أن تفكر في المهمات التي عليك فكِّر في نطاق اليوم والأسبوع. ضع لكل يوم خطة تقتنص بها أفضل مستوًى للإنتاجية؛ نظِّم مهماتك وانظر هل يسعها اليوم أم لا؛ واترك وقت فراغ في يومك تفعل فيه ما يروِّح عن نفسك، فإن خطة عمل دون راحة أو ترويح لمكتوب عليها الفشل قبل تنفيذها.
وقبل ذلك ينبغي، مع بداية الأسبوع، أن تحدد النمط العام الذي تريد أن تقضي به أسبوعك لتستفيد منه أقصى استفادة.
٣- إنجاز أصعب المهام أولًا
لا شك أن الإنسان يكون أنشط ما يكون في بداية يومه. ولذلك يجب أن نشرع في إنجاز أصعب المهام في أول اليوم، إذ أنه مع مرور الوقت تقل احتمالية إنجازنا لهذه المهام بسبب انخفاض مستويات نشاطنا، وقد تزيد المشاغل فيضيع اليوم دون أي إنجاز يُذكر.
٤- تقسيم المهام إلى مجموعات
أحيانًا يكون أنجز للمهام أن تجمِّعها وتقوم بها تباعًا. هذا ينطبق على المهام التي تتسم بطابع متشابه أو تتطلب منك مستوى مجهود معين؛ مثلًا: الاتصال بالأقارب والتريُّض مشيًا أو تنظيف المنزل وترتيب الكتب.
المهم أن تتذكر أنه كلما سنحت لك الفرصة أن تجمِّع المهام وتقضيها تباعًا فافعل، فإن ذلك أنجز.
٥- التعوُّد على قول «لا»
لكي تحسن إدارة وقتك يتحتَّم عليك أن تتعود على رفض ما لا يتسق مع تخطيطك. لن تقول «لا» لأشخاص آخرين فقط، لكن ستقولها لنفسك أيضًا عندما تحاول أن تحيد بك عن المهمة التي بين يديك لتركز على شيء آخر أقل أهمية.
من الصعب أن نقول «لا»، لكنه من المستحيل أن يعيد إلينا أحدهم وقتنا الذي سيضيع لو قلنا «نعم».
٦- أدوات تنظيم المهام: مصفوفة أيزنهاور لإدارة الوقت والمهام مثالًا
دوايت أيزنهاور كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ال ٣٤، وكان معروفًا بكفاءته في إدارة الوقت وإنتاجيته الفائقة.
ومن أشهر أدوات الإنتاجية التي عُرفت عنه مصفوفة أيزنهاور، والتي تعتمد على تقسيم المهمات إلى أربعة أنواع:
١– مهام عاجلة ومهمة Urgent and important: وهذا النوع من المهام يشغل القسم الأول من المصفوفة، وهو قسم «افعل Do». فتلك المهام لها الأولوية وينبغي أن تشرع فيها قبل أي شيء.
٢- مهام مهمة، لكن ليست عاجلة Important, but not urgent: وهذا النوع من المهام يشغل القسم الثاني من المصفوفة، وهو قسم «قرِّر Decide». فينبغي فيه أن تخطط لتلك المهام وتختار لها وقتًا لاحقًا تقوم بها فيه.
٣- مهام عاجلة، لكن ليست مهمة Urgent, but not important: وهذا النوع من المهام يشغل القسم الثالث من المصفوفة، وهو قسم «فوِّض Delegate». فينبغي فيه أن تفوِّض تلك المهام لشخص آخر.
٤- مهام ليست عاجلة ولا مهمة Neither urgent nor important: وهذا النوع من المهام يشغل القسم الرابع والأخير من المصفوفة، وهو قسم «احذف Eliminate». فينبغي فيه أن تمحو تلك المهام، فإنها ستضيع وقتك.
هكذا تكون قد ألممت بأساسيات إدارة الوقت. إذن، فخير نصيحة نختم بها المقال ألا تغلقه إلا وأنت حافظ له عندك لتعود إليه غدًا وتنفذ المبادئ التي اكتسبتها، من أجل أن تقضي، بإذن الله، يومًا منتجًا مليئًا بالإنجازات.
إقرأ أيضًا: